لقد قرأت هذه القصة أكثر من مرة وأستمتعت بقراءتها, وأعجبني مضمونها , وأحببت طرحها للفائدة لما تحمل من خبرات , ودروس و عبر تعلمتها وأكتسبتها.... صاحبة هذه القصة في حياتها وخاصة فى حياتها الزوجية وهي (حكاية لزوجة تتحدث عن زواجها بعد مرور خمسين عاما)
- ماذا تقول المرأة بعد مرور خمسين عاما على زواجها..؟!
- كيف تري الرجل الذي قضت معه احلى سنين عمرها ..؟!
ما رأيها في الزواج ..؟! هل تغيرت نظرتها إليه في خريف العمر , مع الغيوم التي تحجب الشمس , ووسط أوراق الشجر التي جفت وتساقطت أمام الرياح من حولها ..؟! ماذا تقول هذه المرأة ..؟!
إنها خواطر زوجة إحتفلت بالأمس بالعيد الذهبي لزواجها .. إنه حديث صريح عن تجربة العمر كله . إنها نبضات وخلجات وأنفاس وضعت فيها كل ما حملة صدرها عبر هذه السنين الطويلة .. إنها قصة زوجه .. ولكنها ليست زوجة عادية .. إنها زوجة سعيدة ، جنت ثمار الحياة . تلك التي تتطلع إليها كل أم . فقد أمد الله في عمرها حتي جاء اليوم الذي رأت فيه أبناء أحفادها 00
( ماذا تقول وهي تحكي قصتها .......؟!! )
" تقول : ثروتنا على الأرض "
" كدت أنسي هذا اليوم .. لم أصدق عيني وأنا أراهم يقتحمون بيتنا الذي لغته الهدوء .. لقد جاءوا كلهم .. أبناؤنا وأحفادنا لإحياء هذه الذكرى التى أنقضى عليها خمسون عاما .. وتحول البيت الصغير إلى مكان صاخب أمتلأ بالحياة .. ووقفنا - زوجي العجوز وأنا - ومددنا أذرعتنا نستقبل فلذات أكبادنا بالأحضان والقبلات .. إنهم كل ثروتنا على هذه الأرض .. إنهم الذكرى الباقية بعد ذهابنا .. إنهم الفروع النابضة للشجرة التي أصابها الذبول وأوشكت على الجفاف .. إنهم حياتنا الجديدة على الأرض
" الربيع والخريف "
" ما أسرع ما يمر الزمن .. خمسون عاما أنقضت . وكأنها بدأت بالأمس القريب .. أروع تلك اللحظة التي يلتقي فيها الماضي بالمستقبل . والقديم بالجديد .. والخريف بالربيع .. هل يمكن أن يجتمع هذا كله في لحظة واحدة فى مكان واحد ..؟! ما أروعه من لقاء ونحن نرى شبابنا وطفولتنا فى هذه الوجوه النضرة وتلك الضحكات التي تمتلئ بالحياة .. لقد جاءوا يعلمون الحب والوفاء , للجذور التي قدمت عصارة عمرها لهذه الشجرة اليانعة .. ولكن إلى متى تبقى حية قبل أن يصيبها الجفاف ..؟! لقد أقبلوا علينا يمطرونا بقبلاتهم .. إلي أن جاء دور إبن حفيدتي الصغير ليهنئني .. وأحنيت ظهري الذي أثقلته السنون لكي أُمكن الصغير . الذي ما زال فى عمر الزهور التى كان يحملها فوق صدره , من أن يعبر عن حبه لجدته الكبرى العجوز , وبهذه القبلة الحلوة التى طبعها على وجهي .. كان يبتسم وهو يمد لي يده الرقيقة بما يحمل من أجلنا .. تمنيت لو أنني حملته بدوري وضممته إلى صدري , ولكنني تذكرت أن ذراعي الهزيلتين لن يقويا على حمله , فأمسكت بيده وقدته الى اقرب مقعد وأجلسته بجانبي ورحت أداعب شعره الأسمر بأصابعي النحلية المرتجفة ...
" ما أشبه الليلة بالبارحة "
" إنني اليوم أم لثلاثة أبناء . أكبرهم في الثامنة والأربعين .. لقد كانت أمنيتي دائما يكون لي إبنه . فلما تزوج أبنائي أصبح لي ثلاث بنات لا إبنة واحدة .. وأصبح الأبناء أباء لستة أحفاد .. ثلاثة أولاد وثلاث بنات . تزوجت كبراهن لتقدم لي هذا الطفل الصغير الذي جاء ليقدم لنا قبلاته وزهوره في عيد زواجنا .. ما أشبه الليلة بالبارحة .. أنني أرى في حفيدي الصغير وجه إبني الأكبر , أول طفل رزقنا به بعد زواجنا الذي نحتفل اليوم بذكراه الخمسين .. إنني أرى فيه مع والديه صورة حياتنا وهي تبدأ من جديد .. ما أروع صور الحياة وهي تتكرر .. في مثل هذا اليوم منذ نصف قرن من الزمان , وقفنا - زوجي الشاب وأنا - نحتفل بزواجنا وسط الأهل والأقارب والأصدقاء .. ومرت الأعوام بكل ما حملته لنا من أحداث .. أعوام مليئة بالعمل والكفاح حافلة بصور شتى من السعادة والشقاء .. من الصحة والمرض .. فماذا أكتشفت بعد كل هذه السنوات الطويلة ..؟! أكتشفت أنه ليس في الدنيا عمل .. أي عمل ولا وظيفة مهما كان نوعها , ولا حتى هواية أو نشاط مهما كان لونه . يمكن أن يقارن بوظيفة المرأة عندما تصبح زوجة لرجل تعيش له ومعه , تحبه وترعاه , تحنو عليه وتسهر على راحته , وتفعل بعد هذا كل ما في وسعها لإسعاده ... ليس هناك عمل فى الدنيا يتطلب من الإنسان أن يستخدم كل ما لديه من عقل ومن عاطفة , مثل عمل المرأة فى الزواج .. ومع هذا فنحن نقبل عليه ونسعى إليه , وتظل الفتاة .. كل فتاة تنتظر هذا اليوم الذي تزف فيه عروسا للرجل الذي أختاره لها أبواها واختاره قلبها ...
" تجربة العمر كله "
" إنها أقسى تجربة تمر بها الفتاة في حياتها قبل أن تعرف معنى الحياة .. فهي دائما أصغر من الرجل سناً , وهي غالباً أقل من الرجل نضجاً , ولكن هكذا تكون حالهما في بداية رحلتهما الطويلة في هذه الحياة الجديدة التي يشاركان في بنائها .. وهي بعد هذا التي تتحمل العبء الأكبر في إكتشاف القوى والأبعاد والفرص الجديدة التي توفر الحماية لسفينة الزواج وتحول بينها وبين الإرتطام بالصخور والغرق في مياه البحر.. فالزوج هو المحرك لهذه السفينة , أما هي .. فهي دائما " الدفة " التي توجه سفينة زواجها الي بر الأمان"
" مدرسة الحياة "
"كيف تصنع الزوجة الصغيرة هذا كله وهي التى لم تعرف من حقائق الحياة وأسرارها , أكثر مما رأته في بيت والديها , أي قدرة تلك التي وضعها الله في رأسها الرقيق , ولكي تتمكن من تحقيق هذه المعجزة .. لقد علمتني تجربتي الجديدة مع زوجي أشياء كثيرة , لا يمكن للمرأة أن تتعلمها إلا في هذه المدرسة .. مدرسة الزواج .. مدرسة الحياة .. تعلمت كيف أدرس زوجي . كما لو كان مخلوقا عجيبا نادرا .. فهو كذلك لا شك في هذا .. كنت أدرس طباعه وميوله ومزاجه دون أن أكف لحظة واحدة عن هذه الدراسة التي كنت أقوم بها دون أن أجعله يشعر بما يعتمل في صدري من حيرة وأنا أراه يتغير ويتلون أمامي . طوال الساعات التي كنا نقضيها وحدنا . أو مع الناس .. كنت أرقبه بعيني . وأحاول أن أنفذ إلى أعماقه , وأضع إصبعي على مواطن ضعفه ولا أنسى أبداً أن أعبر له عن فخري وإعتزازي بما يحققه من نجاح فى عمله وفي حياته"
" تزوجت عمله "
" كنت أحترام عمل زوجي وأحبه , فقد تعلمت إن المرأة عندما تتزوج الرجل , تتزوج معه وظيفته وعمله وهوايته .. عندئذ فقط تستطيع فقط أن تحبه وتستطيع أن تساعده .. وتستطيع أن تصبح زوجة وشريكة له في حياته .. حتى في نجاحه لقد كان زوجي يبحث دوما عن إنسان يشاركه فرحته بما حققه من إنجازات .. وأي إنسان أقرب إلى الرجل من زوجته .. أي إنسان يمكن أن يشاركه سعادته بالنجاح الذي حققه أكثر من زوجته التى شاركت فى صنع هذا النجاح .. حتى كل رجل في حاجة إلى إنسان يثق فيه ويطمئن إليه لكي يشاركه أفكاره وأماله وأحلامه .. وهل هناك أقرب إلى الرجل من زوجته.. هل هناك إنسان يستطيع أن يطمئن إليه وهو يفرغ ما في قلبه من أفراح وأحزان , أكثر من إمرأته التي تشاركه حياته؟! لقد تعلمت كيف أستمع إلى حديثه ، كيف أنصت الى أفكاره وهو يترجمها لي ، تعلمت كيف أسكت ، كيف أمسك لساني عن إخراج الكلمة الجارحة التى قد تحول المناقشة الى معركة .. إن مسئولية الرجل لا تقل عن مسئولية المرأة فى إحتواء أي خلاف يقع بينهما وإنهائه .. ولكن إذا كان دور الرجل هو ترويض العالم الصغير من حوله , فإن دور المرأة ينحصر فى ترويض هذا الرجل الذي يشاركها عالمها الصغير .. ولكن كيف تبدأ ؟! لقد علمتني تجربتي الطويلة أن أول شيءٍ يحن إليه الرجل فى حياته مع امرأته هو الشعور بحاجتها إليه , وأن لا حياة لها بعيد عنه"
" الشعور بالغيرة "
لن أنسى الشعور بالغيرة الذي تملكني بسبب ما رأيته فى بداية حياتنا الزوجية .. فقد كنت أرى زوجي يزوغ ببصره أحيانا كلما مرت أمامنا فتاة حسناء , وليس هناك شيء يجرح كبرياء المرأة أكثر من رؤيتها لزوجها وهو يتحول بإهتمامه إلى مرآة أخرى أو يبدي إعجابه بها , وكنت أتألم وأحس بالجرح يكبر ويكبر , وأنا أقف بجواره أتأبط زراعه ولا أحس بنصيب من هذا الإعجاب الطارئ الذي تنافسني فيه الأخريات .. حتى لقد فكرت يوماً في ساعة من ساعات الضيق التي كانت تنتابني بسبب هذه التصرفات من جانب الرجل الذي أعطيته نفسي وقلبي وروحي , في أن أنفصل عنه , وأنهي حياتنا معا بالطلاق .. وذهبت لأزور أمي , ورويت لها ما كنت أرى من زوجي , إلى أن وصلت إلى نهاية قصتي وبكيت وقلت .. لم أعد أطيق الحياة معه "
"وجلست أمي تحدثني قالت : هل تريدين حلاً لمشكلتك مع زوجك يا إبنتي .. أن هذا يتوقف على شعورك أنتِ نحوه .. فإذا كنت ما زلت تحبين زوجك فلا تتركيه , لأن تركك لزوجك هو إعتراف منك بهزيمتك .. يجب أن تثقي بنفسك , أنك لست أقل جمالاً من كل هؤلاء .. ثقي يا إبنتي أنك أجمل منهن .. فإذا أستطعتِ أن تجددي ثقتك في نفسك , فلا تهربي إذن . أنت الآن تخوضين معركة .. ولكن تذكري دائما أنها ليست معركة مع زوجك .. والهروب من المعركة إعتراف بالهزيمة , هل تحبين زوجك يا إبنتي؟!! " قلت نعم أحبه" .. قالت أمي إذن عودي إليه , وأطلبي إليه أن يلف ذراعه حولك , أريحي رأسك الصغير المتعب فوق صدره وقولي له : أنت تحرجني يا عزيزي بنظراتك الحائرة .. إنني أحبك فأنت زوجي ووالد طفلنا الصغير .. إنني اشعر بتعاسة شديدة وفي يدك وحدك وضع حد لهذا الألم الذي يحتويني , أرجوك أن تساعدني على التخلص من هذا الشعور الذي يمزقني ... وقالت أمي تكمل حديثها : إن إعترافك يا إبنتي بحاجتك إلي حبه وإخلاصه , سوف يصنع المعجزات .. سوف يشعر زوجك بالخجل من نفسه , وهو يستمع الي حديثك معه وأنت تذكرنه بأنك إنما تزوجته لكي يصبح ملكاً لك , تماماً كما أصبحت أنت ملكاً له وحده لا يشاركه فيك أحد"
" وعاد الي زوجي "
" ونفذت نصيحة أمي , وعاد إلي زوجي , لقد كسبت المعركة , إنني أجمل فتاة في نظره حتي بعد أن أصبحت جدة وجاوزت السبعين .. أن كل شيء يذهب مع السنين .. الشباب والجمال وكل ما يتصل بهما .. ولكن تبقى بعد ذلك الألفة والصداقة والحب الذي ربط بين هذين القلبين عبر هذه السنوات الطويلة من العيش معا , ومواجهة الحياة بكل ما حملته إليهما من حلاوة ومرارة .. لقد تعلمت من زوجي أشياء كثيرة .. فقد علمني كيف أسعده , كيف أعد له طبق الطعام الذي يفضله , كيف أوفر له الهدوء الذي ينشده عندما يعود من عمله متعبا .. كيف أحول البيت الذي يجمعنا الي واحة وسط هذا العالم الصاخب من حولنا .. وعلمت زوجي أشياء أكثر .. أشياء صغيرة ولكنها كانت تملأ قلبي وبيتي سعادة .. علمته كيف يساعدني في عمل البيت عندما أكون متعبة .. كيف يشاركني في إعداد الطعام في يوم إجازته .. كيف نضحك معاً أمام الصعاب التي تعترضنا في حياتنا .. وكيف نقف معاً نرقب قرص الشمس وهو يبدأ في الغوص وراء الأفق وننتظر الهلال وهو يكتمل يوما بعد حتى يصير بدراً .. لم نفترق يوما , فقد عشنا حياتنا الطويلة معاً نساند بعضنا البعض , نواجه العواصف , ونصد الرياح عن بيتنا وعن أطفالنا , ونستقبل الخير كلما جادت به السماء"
" حياة الوحدة "
" لم نشعر بالفراغ إلا عندما كبر الأبناء وتزوجوا وتركوا البيت .. لقد أحسسنا بالوحشة , ولكننا ما لبثنا أن ألفنا حياتنا الجديدة , وكانت مفاجأة لنا نحن الإثنين عندما بدأنا نكتشف أنفسنا , ويكتشف كل منا الأخر في وحدتنا تلك التي حاولنا دائما أن نملأها بالفكر والعمل .. إن زوجي يعكف اليوم على إصدار كتاب يحكي فيه ذكرياته مع الحياة خلال تلك السنوات الطويلة التي شاركته فيها .. أما أنا , فقد تفرغت لعمل الخير .. إنني أعمل ممرضة متطوعة وعضواً عاملاً في جمعيتين خيريتين "
" الأمنية الأخيرة "
" إنني سعيدة بحياتنا في شيخوختنا .. إنها حياة هادئة ممتعة لايعكر صفوها سوى شعورنا بإقتراب اللحظة التي لا بد لنا فيها أن نفترق .. فنحن لم نعتد الفراق يوماً واحداً , فكيف لنا به عندما يصبح أبدياً .. زوجي يقول : أتمنى لو سبقتك أنا , فإنني لا أحتمل الحياة وحدي من بعدك .. وأنا بدوري أبتهل إلى الله لكي يختارني إلى جواره قبل زوجي .. ليتنا نستطيع أن نرحل معا كما عشنا حياتنا معاً .. بالأمس وقفت أمام صورة زفافنا .. الصورة التي نظهر فيها معاً جنبا إلى جنب منذ خمسين عاما عندما إحتفلنا بزواجنا .. وأحسست بزوجي يقترب مني , ومد يده في رفق وأمسك بيدي .. وقال ودمعة كبيرة حائرة تلمع فى عينيه : لو عادت بنا عقارب الزمن خمسين عاماً إلى الوراء , وتقدمت لخطبتك , هل كنت تتزوجيني؟! قلت وأنا امسح دموعه بأصابعي : لم أكن لا فعل غير ما فعلت يا أعز إنسان الي قلبي ..."
" تمت القصة "
"منقولة بعد اختصارها وترتيبها وشيء من التصريف "